منذ أن فتحت عيناي على الدنيا وأسمع عبارة “ضرورة عودة مصر إلى أفريقيا” وهي عبارة أصبحت مستهلكة وسيئة السمعة لأنها لا تطبق على أرض الواقع، بل بالعكس الفجوة بيننا تزداد اتساعا حتى وصلت للحال الذي نعيشه جميعا في أزمة سد النهضة وسوء علاقتنا حتى مع دول حوض النيل.

في عهد عبدالناصر مصر ساندت كل حركات التحرر الوطني في أفريقيا، وساعدت دولها على طرد الاستعمار والاستقلال عنه، وكانت عمارة الايموبليا بوسط القاهرة فيها أكثر من 18 حركة ومنظمة أفريقية وعربية، وفيلا صغيرة في الزمالك كانت محل إقامة لخمس شخصيات أفريقية أصبحوا رؤساء لبلادهم، مصر أخطأت حينما اهتمت بالعرب وأوروبا وأمريكا على حساب أفريقيا وسوف نعاني كثيرا من ذلك لو لم نسرع في إنقاذ ما تبقى من علاقات مع الدول الأفريقية وتطويرها.

خلال وجودي حاليا في غانا مع وفد إعلامي مصري في أول زيارة لي لدولة أفريقية اكتشفت أن الشعوب الأفريقية عاشقة لمصر، وشعوبها محترمة ومسالمة ومبتسمة ومنظمة رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة، ومعظم الدول الأفريقية لديها ثروات هائلة وضخمة ولكنها للأسف الشديد منهوبة من الاستعمار، في غانا التقينا مع الدكتور سعيد دراز، مستثمر مصري يعشق أفريقيا وجاء إلى غانا منذ سنوات طويلة وله استثمارات كبيرة فيها، يتمتع بعلاقات متميزة مع سلطاتها، ويرى أن الاستثمار في أفريقيا واعد وهامش الربح فيه كبير يتجاوز نسبة 100% في بعض المشروعات عكس أوروبا وأمريكا، فالضرائب هناك تلتهم معظم الأرباح.

د/ دراز يمتلك في غانا ثاني أكبر مصفاة للذهب في أفريقيا، والخامسة على العالم، وله مشروعات ضخمة (بمليارات الجنيهات) في مجالات كثيرة مع الحكومة الغانية، ويستعين بالعمالة المصرية في مشروعاته، وهو واجهة مشرفة لبلده ويمكن الاستفادة من علاقاته الطيبة مع معظم المسئولين في القارة، فهو سفير حقيقي ودائم لمصر في أفريقيا، وفي لقاء مع السفير محمد حيدر، سفيرنا في غانا، بحضور الزملاء عصام كامل وخليفة أدهم والسيد الدمرداش وبعض شباب المستثمرين المصريين إبراهيم حسبو ومحمد القليوبي وعلاء دراز، قال السفير حيدر:

“إن الشعب الغاني يحتفظ لمصر بمساندته ضد الاستعمار حتى الاستقلال، واحتضان زعيمهم نكروما المناضل الكبير وأول رئيس لغانا لدرجة أنه تزوج من المصرية (فتحية رزق)، وأنجب منها ثلاثة أولاد، أسماءهم مصرية خالصة (جمال ونبيل وسامية)، وأهم شارع بالعاصمة (أكرا) يحمل اسم عبدالناصر وتمثال له”.

وأضاف السفير أن العلاقات السياسية بين البلدين حاليا تشهد تطورا كبيرا وأنها رمانة الميزان في أفريقيا، ويجب استغلال ذلك في تطوير العلاقات الاقتصادية، وأن هناك فرصا واعدة للمستثمرين المصريين، ويجب الاستفادة من الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به غانا، وهي بوابة لمنطقة مأهولة بالسكان وسوق كبير تعداده 300 مليون نسمة، يستورد معظم احتياجاته من الخارج، وان السفارة المصرية مستعدة لتقديم كل الدعم للمستثمرين المصريين.

كما أكد حيدر أن مجال الاستثمار في الزراعة يمكن أن يساهم في حل كثير من مشاكلنا، فالأرض هنا متوافرة ورخيصة وخصبة ولا مشكلة في المياه، إلى هنا انتهى كلام السفير.

وأنا أقول إن الاستثمار الحقيقي هو جلب الأموال من الخارج إلى الداخل سواء من خلال التصدير أو الاستثمار في الخارج، وتحويل الأموال للداخل، وكلتا الحالتين تتوافران في غانا لأن سوقها يحتاج للمنتجات المصرية، وأيضا يمكن إقامة مشروعات هنا تساهم في حل مشكلات الغذاء في مصر، ولذلك يجب على الدولة نفسها أن تشجع رجال الأعمال المصريين للزراعة في غانا، وتقف في ظهورهم وتحاول إيجاد حلول لأزمة نقل البضائع بين البلدين سواء من خلال النقل الجوي أو البحري فهذه أهم عقبة.

نحن نعلم جميعا أن لدينا معوقات كثيرة في مصر، وأن مناخ الاستثمار ما زال يحتاج إلى جهود كبيرة، وكذلك لدينا عجز في الفجوة الغذائية، وأيضا مشكلات مع بعض الدول الأفريقية، إذن تطوير العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول هو الحل لكل المشكلات السياسية والاقتصادية، ويجب استغلال المستثمرين المصريين والمبادرات الفردية مثل د/ سعيد دراز وغيره، لأنه وللأسف الشديد إسرائيل تفعل ذلك في أفريقيا، فهل نحن فاعلون أم نكتفي بالكلام والتصريحات!؟


Source
: www.vetogate.com